يدخل المشرّعون الأميركيون ما يُعرف بـ”أسبوع العملات الرقمية”، في لحظة قد تُشكّل نقطة تحوّل تاريخية في تنظيم هذا القطاع. من المتوقع أن يُحدّد هذا الأسبوع مسار مستقبل العملات المستقرة، والتمويل اللامركزي، وأسواق الأصول الرقمية عمومًا، من خلال مشاريع قوانين مفصلية يُنتظر التصويت عليها داخل الكونغرس.
إنجاز تشريعي بارز
ستعد مجلس النواب الأميركي للتصويت على مشروعي قانون رئيسيين: “قانون توجيه وتأسيس الابتكار الوطني للعملات المستقرة الأميركية” (GENIUS)، و”قانون وضوح سوق الأصول الرقمية” المعروف باسم Clarity. يُشكّل القانونان معًا إطارًا تنظيميًا طال انتظاره لتنظيم قطاع الأصول الرقمية سريعة النمو.
ويقترح قانون GENIUS، الذي سبق أن وافق عليه مجلس الشيوخ، قواعد صارمة تتعلّق بدعم العملات المستقرة، منها الاحتفاظ باحتياطات كاملة بالدولار الأميركي أو ما يعادله، إلى جانب فرض تدقيق مستقل على الجهات المُصدِرة الكبرى، وتحديد إرشادات أكثر وضوحًا للممثلات الرقمية الصادرة من خارج الولايات المتحدة. وفي حال وافق عليه مجلس النواب كما هو متوقع، فقد يُحال مشروع القانون إلى مكتب الرئيس دونالد ترامب بحلول نهاية الأسبوع.
أما مشروع قانون Clarity، المقرر التصويت عليه يوم الأربعاء، فيهدف إلى تحديد صلاحيات الهيئات التنظيمية، ولا سيما الفصل بين اختصاص هيئة الأوراق المالية والبورصات (SEC) وهيئة تداول السلع الآجلة (CFTC). كما يتضمّن معايير شفافية أكثر صرامة لشركات الأصول الرقمية، وقواعدًا لحماية المستثمرين وحفظ الأصول.
وتعمل لجنة قواعد مجلس النواب على تحديد الجدول الزمني النهائي وإدخال أي تعديلات محتملة، لكن مصادر مطلعة تُرجّح عدم إدخال تغييرات كبيرة على بنود القانونين.
انقسامات في الكونغرس والقطاع
رغم الترحيب الواسع في الأوساط الداعمة للعملات الرقمية، تعترض بعض القوى السياسية على هذه المشاريع. فقد وصفت مؤسسة سيدار للابتكار مشروع Clarity بأنه خطوة ضرورية إلى الأمام، مشيرة إلى أن “القوانين القديمة لم تعد تصلح لتنظيم ابتكارات القرن الحادي والعشرين”. واعتبرت المؤسسة أن هذه المشاريع تمثل فرصة حقيقية لتأسيس قواعد تنظيمية مسؤولة.
لكن المعارضة تتصاعد من قِبل بعض النواب الديمقراطيين، الذين حذّروا من تدخل مباشر للرئيس ترامب في هذا الملف. وأشارت تقارير إلى أن ترامب وأفرادًا من عائلته جنوا أكثر من 620 مليون دولار من مشاريع مرتبطة بالأصول الرقمية، من ضمنها العملة المستقرة المثيرة للجدل “World Liberty Financial” وعملات “ميمي كوين” المتصلة بها.
وذهبت النائبتان ماكسين ووترز وستيفن لينش إلى وصف الأسبوع الحالي بـ”أسبوع مكافحة فساد العملات الرقمية”، متهمتين الإدارة الحالية بتضارب المصالح، وتعهدتا بالتصدي لكلا المشروعين. كما تم الإعلان عن عقد إحاطة لموظفي الحزب الديمقراطي لعرض الاعتراضات الرسمية.
وترافق هذا الخلاف مع مخاوف بشأن توسّع السلطات التنفيذية، إذ يخشى البعض من أن يمنح أمر تنفيذي صدر في فبراير الماضي البيت الأبيض سلطة إضافية على الهيئات التنظيمية المستقلة، وهو ما يُنذر بتسييس رقابة القطاع.
تفاؤل القطاع يقابله قلق من قيود على التمويل اللامركزي
في المقابل، عبّر خبراء القطاع عن تفاؤل حذر، معتبرين أن هذه التشريعات قد تفتح الباب أمام دخول أوسع للمؤسسات المالية. وكتب مارك بالمر من شركة “Benchmark” أن مشروع قانون Clarity قد يُزيل حالة الغموض القانوني التي تعرقل التوسع المؤسسي في هذا المجال.
إلا أن بعض الفاعلين في مجال التمويل اللامركزي أبدوا مخاوف من التفاوت في المعاملة، إذ يمنح مشروع القانون حماية فيدرالية للبورصات المركزية، بينما قد يخضع البروتوكولات اللامركزية لقوانين كل ولاية على حدة. كما يُحذر البعض من أن صياغة مواد التسجيل في القانون قد تُقيّد الابتكار وتُثقل كاهل المشاريع الناشئة.
مطروح أيضًا: حظر العملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية
بالتوازي مع هذه النقاشات، سينظر مجلس النواب أيضًا في مشروع قانون قدمه النائب توم إيمر يهدف إلى منع الاحتياطي الفيدرالي من إصدار عملة رقمية مباشرة للمستهلكين. ويؤيد العديد من الجمهوريين هذا المقترح بدعوى أن العملات الرقمية الصادرة عن البنك المركزي (CBDCs) قد تُشكل تهديدًا لخصوصية المواطنين المالية.
ورغم أن الاحتياطي الفيدرالي لا يزال يُجري دراسات حول إمكانية إصدار دولار رقمي، فإن رئيسه جيروم باول أكد مرارًا أنه لن يتم إطلاق أي CBDC دون موافقة صريحة من الكونغرس، وهو ما أيده وزير الخزانة سكوت بيسنت في وقت سابق من هذا العام، بقوله إنه لا يرى أي ضرورة لإصدار مثل هذه العملة في الوقت الراهن.
ماذا بعد؟
بينما يبدو أن مشروع قانون GENIUS يسير بخطى ثابتة نحو الإقرار، يواجه مشروع Clarity طريقًا أكثر تعقيدًا، إذ سيتوقف تمريره على مدى استعداد الديمقراطيين لتجاوز الاصطفافات الحزبية ودعم المشروع. وفي حال تحقق ذلك، فقد يشكّل ذلك انطلاقة جديدة لمرحلة من التعاون الثنائي في تشريعات العملات الرقمية.
وبالنظر إلى المستقبل، من المتوقع أن يستلهم مجلس الشيوخ بعض عناصر Clarity، مع الأخذ بمقترحات قدّمها سابقًا السيناتوران سينثيا لوميس وكيرستن جيليبراند، اللذان كانا من أوائل الداعمين لتشريعات تنظيم الأصول الرقمية منذ عام 2022.